[color=darkred][خطبة بليغة لمولانا امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام ليس فيها الف(1)
«حمدت من عظمت مِنَّتُه ، وسبغت نعمته ، وتمت كلمته ، وسبقت رحمته ، ونفذت مشيئته ، وفالحت حجته ، حمد مْقِرٍ بربوبية، متخضع لعبوديته ، مؤمن بتوحيده ، و وحّدته توحيد عبد مذعن بطاعته (2)، متيقن يقين عبد لمليك ليس له شريك في ملكه ، ولم يكن له ولي في صنعه ،عجزعن وصفه من يصفه ، وضلّ عن نعته من يعرفه ، قرب فبعد، وبعد فقرب ، مجيب دعوة من يدعوه ويرزقه ويحبوه ، ذو لطف خفي ، وبطش قوي ، ورحمة موسعة،وعقوبة موجعة، رحمته جنة عريضة مونقة، وغضبهُ نقمة ممدودة موبقة .
وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله ونبيه وحبيبه وخليله ، بعثه من خير عنصر، وحين فترة، رحمةً لعببده ، ومنةً لمزيده ، وختم به نبوته ، ووضح به حجته ، فوعظ ونصح ، وبلَّغ وكدح ، رؤوف بكل عبدمؤمن ، سخي رضي زكي ،عليه رحمة وتسليم وتكريم ، من رب غفوررحيم قريب مجيب .
وَصّيتكم - معشرمن حضرني - بوصية ربكم ، وذَكَّرتكم سنة نبيكم ، فعليكم برهبة ورغبة تسكن قلوبكم ، وخشية تجري دموعكم ، قبل يوم عظيم مهول يلهيكم ويبكيكم ، يوم يفوزفيه من ثقل وزن حسنته وخف وزن سيئته ، وليكن مسألتكم مسألة ذل وخضوع وخشوع ، ومسكنة وندم ورجوع ، فليغتنم كل منكم صحته قبل سقمه ، وشبيبته قبل هرمه ، وسعته قبل فقره ، وفرغته قبل شغله ، وحضره قبل سفره ، قبل يهرم ويمرض ويمل ويسقم ، ويمله طبيبه ، ويعرض عنه حبيبه ، وينقطع منه عمره ، ويتغيرعقله وسمعه وبصره ، ثم يصبح ويمسي وهوموعوك وجسمه منهوك ، و حُدِيَت نفسه ، وبكت عليه عرسه ، ويتم منه ولده ، وتفرق عنه جمعه وعدده ، وقسم جمعه ، وبسط عليه حنوطه ، وشدّ منه ذقنه ، وغسل وقمص وعمم ، وودع وسلم ،
____________
1 - ذكر الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : 393،بسنده عن أبي صالح ، قال : جلس جماعة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يتذاكرون فتذاكروا الحروف وأجمعوا ان الألف اكثر دخولاً في ألكلام من سائر الحروف ، فقام مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ،فخطب هذه الخطبة على البديهة فقال : .. .
2 - كذا في الأصل ، وفي مواضع اُخر وهومخالف لشرط الخطبة، ولم يرد المقطع الأخير في شرح النهج لابن أبي الحديد وكفاية الطالب وكتزالعمال ومصباح الكفعمي ، فتأمل .
--------------------------------------------------------------------------------
(73)
وحمل في سرير، وصُلي عليه بتكبير، ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيدة، وحجر منضدة، وفرش ممهدة، فجعل في ضريح ملحود، وضيق مسدو فى بلبنٍ جلمود، وهيل عليه عفره ، وحثي عليه مدره ، ومحي منه اثره، ونسي خبره ، ورجع عنه وليده وصفيه و حبيبه وقريبه ونسيبه ،فهو حشو قبره ، ورهين سعيه ، يسعى في جسمه دود قبره ، ويسيل صديده من منخره وجسمه ، ويسحن (1) تربه لحمه ، وينشف دمه ، ويرم عظمه ، فيرتهن بيوم حشره ، حتى ينفخ في صوره ، وينشرمن قبره ، فلاينتصر بقبيلة وعشيرة، وحصلت سريرة صدره ، وجيء بكل نبي وشهيد وصديق ونطيق ، وقعد للفصل عليم بعبيده خبير بصير. فحينئذ يلجمه عرقه ، ويحرقه قلقه ، وتغزرعبرته ، وتكثر حسرته ، وتكبرصرعته ،حجته غيرمقبولة، نشرت صحيفته ، وتبينت جريمته ، ونظرفي سوء عمله ، فشهدت عينه بنظره ، ويده بلمسه ، وفرجه بمسه ، ورجله بخطوه ، ويهلكه منكرونكير، وكشف له حيث يصير، فسلسله وغلغله ملكه بصفد من حديد، وسيق يسحب وحده فورد جهنم بكرب شديد، وغم جديد، في يد ملك عتيد، فظل يعذب في جحيم ، ويسقى من حميم ، يشوى به وجهه ، وينسلخ منه جلده ، بعد نضجه (2) جديد.
فمن زحزح عن عقوبة ربه ، وسكن حضرة فردوس ، وتقلب في نعيم ، وسقي من تسنيم ، ومزج له بزنجبيل ، وضُمِّخ بمسك وعنبر، مستديم للملك مقيم في سرورمحبور، وعيش مشكور، يشرب من خمور، في روض مغدق ، ليس يصدع عن شربه .
ليس تكون هذه إلاّ منزلة من خشي ربه ، وحزن نفسه ، وتلك عقوبة من عصى منشئه وربه ، وسولت له نفسه معصيته ودينه (3)، ذلك قول فصل ، وحكم عدل ، خيرقصص قص ، [ووعظ نص ، تنزيل من حكيم حميد، نزل به روح قدس مبين على قلب نبي مهتد رشيد](4) صلت عليه رسل سفرة مكرمون بررة، ورب كل مربوب ، وعلى درسه ذوي طهرغيرمسلوب ، وعلى كل مؤمن ومؤمنة، والسلام »(5) .
____________
1 - سحنت الحجر: كسرته (الصحاح 5: 2133).
2 - كذا في الأصل : ولعل الصواب ما في الشرح الحديدي : ويعود جلده بعد نضجه كجلد جديد.
3 ـ كذا، ولعل الصواب : وذنبه .
4 - أثبتناه من شرح نهج البلاغة .
5 - وردت الخطبة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19 : 140 ، وكفاية الطالب : 393، ومصباح الكفعمي : 741، وكنزالعمال 16: 208 | 44234 ./color]