البحث الثاني: التوحيد الواحدي
اتّضح من خلال الأفكار التمهيدية والمقدّمات المنهجية التي مرّت خلال البحث السابق أنّ الاستدلال على الوحدة الحقّة الحقيقية (التوحيد الواحدي) يتحرّك بمستويين مترابطين الأوّل قرآنيّ والثاني حديثيّ، نخلص بعده إلى تسجيل أهمّ النتائج والمعطيات المترتّبة على البحث.
1ـ الاستدلال القرآني
بشأن المستوى الأول يمكن أن نطلّ على أدلّة القرآن الكريم من خلال ما يلي:
الدليل الأوّل قول الله سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (1). تنصّ الآية صراحة أنّ الله حقّ محض، ولو كان وجوده وجوداً معدوداً فمعناه أنّه يقبل الثاني، ولكي يقبل الثاني لابدّ وأن يكون محدوداً، وإذا صار محدوداً، فمعناه أنّه واجد لشيء وفاقد لشيء آخر. ومعنى ذلك أنّ وجوده سبحانه سيكون كالمركّب من وجدان كمال وفقدان كمال آخر، وإلاّ لو لم يثبت ذلك لما كان معدوداً؛ لما مرّ
ـــــــــــ
(1) الحج: 62.
صفحة 64
في معنى الوحدة العددية من أنّه ما لم ينته الأوّل لا تصل النوبة إلى الثاني، وما لم ينته الثاني لا تصل إلى الثالث. فلابدّ إذن من فرض حدّ للوجود العددي حتى ينتهي عنده، فيكون الموصوف به فاقداً لشيء وواجداً لشيء آخر.
ولو كان وجوده سبحانه وجوداً عددياً للزم منه أن يكون ممزوجاً من حقّ وباطل، من وجود وعدم. وهذا أسوأ أنحاء التركيب.
وبما أنّ الآية قد نصّت أنَّ الله هو الحقّ المحض (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ) (حيث ذكروا أنّ الخبر إذا جاء معرّفاً مع ضمير الفصل «هو» ففي ذلك دلالة على الحصر) إذن فلا يصحّ أنّ يشوبه شيء من العدم أو البطلان أو الفقدان أو الحدّ. وهذا هو أوّل ما يمكن أن يُشار إليه من أدلّة في هذا المجال.
الدليل الثاني قوله سبحانه: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إلهٍ إلاَّ إلهٌ وَاحِدٌ) (1). والنكتة في الآية أنّ الله لو كان ثالث ثلاثة، فمعناه وجود واحد واثنين وأنّه ـ تعالى ـ ثالث هذين الاثنين، ولو كان كذلك لدخل في باب الأعداد وكان وجوده معدوداً.
ولقد نفـَى الإمامُ عليُّ بنُ أبي طالب عليه السلام الوحدةَ العدديةَ مستشهداً بهذه الآية, وذلك عندما قام أعرابيّ إليه يوم الجمل فقال: يا أمير المؤمنين، أتقول إنّ الله واحد؟ فحمل الناس عليه، وقالوا: يا أعرابيّ, أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم النفس؟ فقال أمير المؤمنين: دعوه؛ فإنّ الذي يريده الأعرابيّ هو الذي نريده من القوم.
ثم قال: يا أعرابيّ، إنّ القول في أنّ الله واحد، على أربعة أقسام، فوجهان منها لا يجوزان على الله عزّ وجلّ، ووجهان يثبتان فيه، فأمّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل «واحد» يقصد به باب الأعداد، فهذا لا يجوز، لأنّ ما لا ثاني له لا
ـــــــــــ
(1) المائدة: 73.
صفحة 65
يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنّه كفّر من قال إنّه ثالث ثلاثة (1).
فمن يقول إنّ الله ثالث ثلاثة فقد جعله سبحانه في عداد الأوّل والثاني، فعندما نعدّ مجموعة من الأقلام نقول: هذا القلم الأوّل، وهذا الثاني والثالث وهكذا. وكذلك الحال عندما نعدّ الموجودات نقول: هذا الموجود الأوّل، وهذا هو الموجود الثاني, والله هو الموجود الثالث، فيدخل في باب الأعداد، والقرآن يصرّح بأنّ هذا هو الكفر (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ).
إذن: ما يجب أن ينتبه إليه الموحّد جيداً عندما يقول «إنّ الله واحد» هو أن لا يخطر على ذهنه هذه الوحدة المألوفة في الأشياء، من قبيل: الكتاب واحد، وزيد واحد، والشجرة واحدة، كلاّ، فهذه وحدة عددية تدخل ـ كما عيّر الإمام أمير المؤمنين ـ في باب الأعداد، ووحدة الله سبحانه وحدة حقّة حقيقية لا تُقهر بالمحدودية.
الوحدة القهّارة
ربما احتجَّ الفهم التوحيدي الذي ينادي بالوحدة العددية بإزاء الكثرة العددية، بالقرآن نفسه في دعوته إلى هذا اللون من الوحدة، كما في قوله (وَإلهُكُمْ إلهٌ وَاحِدٌ لا إلهَ إلاَّ هُوَ) (2)، (هُوَ الحَيُّ لا إلهَ إلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (3) وغير ذلك ممّا يدعو إلى رفض الآلهة الكثيرة وإلى أن يُقبل الإنسان بوجهه لله الواحد (وَإلهُنَا وَإلهُكُمْ وَاحِدٌ) (4).
لا ريب أنّ الإنسان جُبل على التنوّع الفكري، وربما كان أبرز مصاديق
ـــــــــــ
(1) توحيد الصدوق، نقلاً من الميزان في تفسير القرآن، ج6، ص91 ـ 92.
(2) البقرة: 163.
(3) غافر: 65.
(4) العنكبوت: 46.
صفحة 66
ذلك اختلاف العقل الإنساني في إدراك التوحيد وفهمه برغم ما توفّره الفطرة من أساس مشترك يُلهم الإنسانية أصل التوحيد.
وفهم التوحيد على أساس القول بالوحدة العددية في مقابل نفي الكثرة العددية هو مرتبة من مراتب الفهم التوحيدي ثَمَّ ما يفوقها ويأتي وراءها إذا ما تعمّق الإنسان بالمعارف الإلهية في هذا المضمار ونفذ في غورها.
والقرآن نفسه ينفي هذه الوحدة إلى ما وراءها حيث الوحدة القهّارة؛ الوحدة الحقّة الحقيقية. فمن دأب القرآن في عدد وافر من آياته أنّه يردف وحدة الله بالقهّارية كلّما ذكرها، كما قوله سبحانه: (وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (1)، وقوله: (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (2)، وقوله في سورة «ص»: (وَمَا مِنْ إلهٍ إلاَّ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (3)، وفي سورة الزمر: (لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاَصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (4).
فهذه الآيات تصرِّح بأجمعها أنّ وحدة الله قهّارة؛ والسؤال: لماذا؟ وما معنى ذلك؟
فلو كانت وحدته سبحانه وحدة عددية لكانت مقهورة غير قاهرة، ومثل هذا الواحد لو فرض بإزائه فرد آخر كانا اثنين، وصار مقهوراً بالحدّ الذي يَحُدُّه به الفرد الآخر، فمحدودية الوجود هي التي تقهر الواحد العددي على أن يكون واحداً، وبانسلاب هذه الوحدة تتألف كثرة عددية.
ـــــــــــ
(1) الرعد: 16.
(2) يوسف: 39.
(3) ص: 65.
(4) الزمر: 4.
صفحة 67
ولو صار الله سبحانه واحداً عددياً، أي موجوداً محدوداً منعزل الذات عن الإحاطة بغيره من الموجودات، لجاز للعقل أن يفترض له ثانياً بصرف النظر عمّا إذا كان هذا الثاني جائز التحقّق في الخارج أم لا، ومن ثمّ صحّ عند العقل أن يتّصف بالكثرة بالنظر إلى نفسه وإن فُرض امتناعه في الواقع.
بيد أنّه سبحانه واحد بحيث إنّه لا يُحَدّ بحدّ فيمكن فرض ثان له، وهذا هو معنى الآيات التي تنعته بالقهّارية بعد وصفه بالوحدة، إذ هي تدلّ على أنّ وحدته هي من النوع الذي لا يدع مجالاً في أن يُفرض له ثان مماثل بوجه، فضلاً عن أن يظهر مثل هذا الثاني في الوجود ويكون له تحقّقٌ في الخارج.
يقول السيِّد الطباطبائي في الاتجاه الذي ينفي الوحدة العددية ويثبت الوحدة القهّارة: «والقرآن ينفي في عالي تعليمه الوحدة العددية عن الإله جلّ ذكره، فإنّ هذه الوحدة لا تتمّ إلاّ بتمييز هذا الواحد من ذلك الواحد بالمحدودية التي تقهره، والمقدرية التي تغلبه، مثال ذلك ماء الحوض إذا فرّقناه في آنية كثيرة كان ماء كلّ إناء ماءً واحداً غير الماء الواحد الذي في الإناء الآخر، وإنّما صار ماءً واحداً يتميّز عمّا في الآخر لكون ما في الآخر مسلوباً عنه غير مجتمع معه» (1).
فإذا ثبت أنّ الله سبحانه قاهر غير مقهور، وغالب لا يغلبه شيء مطلقاً, فلا تُتصوَّر في حقّه وحدة عددية ولا كثرة عددية. وبذلك فإنَّ القرآن «يثبت من الوحدة ما لا يستقيم معه فرض أيّ كثرة وتمايز لا في الذات ولا في الصفات، وكلّ ما فُرِض من شيء في هذا الباب كان عين الآخر؛ لعدم الحدّ. فذاته تعالى عين صفاته، وكلّ صفة مفروضة له عين الأخرى» (2).
ـــــــــــ
(1) الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق، ج6، ص88.
(2) الميزان في تفسير القرآن ، ج6، ص91.
صفحة 68
معالجة التباس
لكن قد تحصل في الذهن مفارقة على هذا الصعيد من خلال المقارنة بين قول الله تعالى في سورة «المائدة»: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إلهٍ إلاَّ إلهٌ وَاحِدٌ) (1) وبين قوله سبحانه في سورة «المجادلة»: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا) (2) بما قد توحيه الآية الثانية من وهم الإضافة العددية.
من الجليّ أنّ الآية لا تريد أنّ الله سبحانه يدخل في عددهم وفي صفّهم، ولا تفيد مماثلته لهم في تتميم العدد، لأنّ كلّ واحد من هؤلاء شخص واحد جسمانيّ يكوّن بانضمامه إلى مثله الاثنين، وإلى مثليه الثلاثة، والله منزّه عن الجسمية. إذن ينبغي البحث عن معنى الآية في جهة أخرى؛ هذا المعنى يتمثّل بالمعيّة العلمية المقصودة بقوله سبحانه: (إلاَّ هُوَ مَعَهُمْ). فما من نجوى إلاّ والله يشارك أصحابها في العلم ويقارنهم في الاطلاع على ما يتسارّون به لا أنّه يماثلهم في تتميم العدد؛ فهو تعالى محيط بهم، عالم بنجواهم، مكشوف له ما يتسارّون به ويخفونه عن غيرهم، لا أنّ له وجوداً محدوداً يقبل العدّ بحيث يمكن أن يُفرض له ثان وثالث وهكذا، لأنّ وحدته سبحانه وحدة أحديّة يستحيل معها فرض الغير معه.
وممّا يدلّ على أنّ معنى الآية هو المعيّة العلمية لا الاقتران الجسمانيّ صدر الآية: (أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وذيلها: (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) إذ يدور كلاهما حول
ـــــــــــ
(1) المائدة: 73.
(2) المجادلة: 7.
صفحة 69
العلم والإحاطة الإلهية (1).
وفي الحديث الشريف توضيح للآية وتفسير لها بمعنى الإحاطة والإشراف والقدرة، حيث جاء عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في قول الله تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ) (2) قوله: «هو واحد واحديّ الذات، بائن من خلقه، وبذاك وصف نفسه، (ألاَ إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (3) بالإشراف والإحاطة والقدرة (لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ...) (4). بالإحاطة والعلم لا بالذات، لأنّ الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة، فإذا كان بالذات لزمها الحواية» (5).
وبهذا ينتهي البحث القرآني من خلال هاتين الآيتين، إلى أنّ الله سبحانه هو الحقّ المبين، وماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال. وهو الحقّ المحض، وماذا بعد الحقّ إلاّ البطلان. وبه تثبت وحدته القهّارة، أي: وحدته الحقّة الحقيقية لا الوحدة العددية.
2 ـ الاستدلال الروائي
ننتقل الآن إلى المستوى الاستدلالي الثاني المتمثِّل بالبحث الروائي. إنّ النصوص الواردة عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مشحونة بالاستدلال لإثبات الوحدة الحقّة الحقيقية لله سبحانه.
ـــــــــــ
(1) ينظر في تفسير الآية: الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج19، ص184 ـ 185.
(2) المجادلة: 7.
(3) فُصّلت: 54.
(4) سبأ: 3.
(5) الأصول من الكافي ، مصدر سابق، ج1، ص127.
صفحة 70
- من ذلك قوله عليه السلام: «من وَصَفه فقد حدَّه، ومَن حدّه فقد عدَّه، ومَن عدَّه فقد أبطل أزله» (1). فإذا قيل إنّ وجود الله سبحانه وجود عدديّ فسيكون حادثاً، والتالي باطل فالمقدّم مثله، وهذا قياس استثنائيّ تدركه الفطرة السليمة حتى من غير فهم الاصطلاح والكيفية الفنّية التي يتألّف منها.
فلو قيل إنّ الله واحد عدديّ لكان حادثاً، ولو صار حادثاً لاحتاج إلى محدِث، وإذا احتاج إلى محدِث صار ممكناً أي ليس واجباً، أو فقيراً
ـ حسب تعبير القرآن ـ وليس غنيّاً؛ وذلك لاحتياجه إلى إيجاد الغير له، والفقير هو ما يحتاج إلى الغير.
ثَمَّ تسلسل آخر يفضي إلى النتيجة ذاتها؛ فلو قيل إنّ الله سبحانه معدود فمعناه أنّه محدود، وإن كان محدوداً فمعناه أنّه كان معدوماً ثم وجد، بمعنى أن وجوده كان مسبوقاً بالعدم، وإذا كان وجوده مسبوقاً بالعدم كان حادثاً، وإذا صار حادثاً احتاج إلى من يُحدثه ويوجده وأصبح ممكناً، وإذا أصبح ممكناً لا يمكن أن يكون واجباً، لأنّ الممكن يكون فقيراً ولا يكون غنيّاً، والقرآن يعلن صراحة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيدُ) (2).
إنّ قوام الاستدلال في نصّ الإمام عليه السلام أن لو كانت وحدة الله وحدة عددية للزم من ذلك بطلان أزليته، إذن لا يمكن أن تكون وحدته عددية.
- إنّ نصوص الإمام تطفح بتأكيد هذا المعنى؛ من ذلك قوله عليه السلام: «كلُّ مسمّى بالوحدة غيره قليل» (3).
توضيحه: أنّ وحدة الغير وحدة عددية، وعندما تكون عددية فإنّه إذا
ـــــــــــ
(1) نهج البلاغة، مصدر سابق، الخطبة رقم 152، ص212.
(2) فاطر: 15.
(3) نهج البلاغة، الخطبة رقم 65، ص96.
ـــــــــــــــــــــــــ
صفحة 70
أُضيف لها ثان فإنّ الاثنين أكثر من الواحد، وإذا أُضيف إلى الاثنين ثالث فالثلاثة أكثر من الاثنين وهكذا. إنّ ما يوصف بالوحدة العددية قليل، لأنّ من مميّزات هذه الوحدة المحدودية، وهي حين تُضاف إلى الغير تكون أقلّ منه، وهذا ما لا تصحّ نسبته إلى الله سبحانه.
- كذلك قوله عليه السلام: «واحدٌ لا بعدد» (1) حيث أثبت لله وحدانيّته، ونفى أن تكون هذه الوحدة عددية.
- في الاتجاه ذاته يأتي قوله عليه السلام: «الأحد بلا تأويل عدد» (2) أي لا ترجع وحدته إلى الوحدة العددية.
- من ذلك أيضاً قوله عليه السلام: «ولم يولد فيصير محدوداً».
تمتلئ هذه النصوص للإمام أمير المؤمنين ـ وغيرها كثير ـ بما يفيد أنّ وحدة الحقّ سبحانه وحدة غير عددية، وإنّما هي وحدة حقيقية قهّارة. لهذا كلّه يقول السيّد محمد حسين الطباطبائي عندما يعرض هذه الجهة من المعرفة التوحيدية: «ولم نجد ما يكشف عنها غطاءها إلاّ ما ورد في كلام الإمام عليّ بن أبي طالب عليه أفضل السّلام خاصّة، فإنّ كلامه هو الفاتح لبابها، والرافع لسترها وحجابها, على أهدى سبيل وأوضح طريق من البرهان، ثم ما وقع في كلام الفلاسفة الإسلاميين بعد الألف الهجري، وقد صرّحوا بأنّهم إنّما استفادوه من كلامه عليه السلام» (3).
ثم يذكّر ـ كما سلفت الإشارة إليه ـ أنّ ما أتى به البحث الفلسفيّ في هذا المجال لم يزد في براهينه على المقدّمات التي حواها كلام الإمام أمير المؤمنين؛
ـــــــــــ
(1) نهج البلاغة، مصدر سابق، الخطبة رقم 185، ص269.
(2) نهج البلاغة، الخطبة رقم 152، ص212.
(3) الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج6، ص101.
صفحة 72
ما دفعه إلى ترك عقد بحث فلسفيّ في الموضوع مكتفياً بعرض نصوص الإمام عليه السلام فيه.
في نصّ الطباطبائي إشارة إلى مدرسة الحكمة المتعالية وما تقوم عليه من أصول ومرتكزات، فقد استطاع صدر الدين الشيرازي أن يستفيد من هذه الحقائق التي وردت في كلام الإمام أمير المؤمنين ويوظّفها للوصول إلى مبدأ الوحدة الحقيقة الحقّة. وفي هذا ما يكشف أنّ العقل الإنساني بلغ ما بلغ لا يستطيع أن يستغني عن الوحي؛ فالعقل يبقى محتاجاً إلى الوحي دائماً وأبداً.
وفي هذا ما يلقي الضوء على الأحاديث الشريفة التي تفيد أنّ لله حجّتين، حجّة ظاهرة وحجّة باطنة (1)، فلا يمكن للحجّة الباطنة أن تستغني عن الحجّة الظاهرة، كما لا يمكن للحجّة الظاهرة أن تستغني عن الحجّة الباطنة، لأنّ الحجّة الظاهرة إنما تكون حجّة من خلال الحجّة الباطنة، فلولا العقل الذي زُوِّد به الإنسان لما أمكنه أن يفهم هذه الحجّة الظاهرة المتمثِّلة بالوحي والنبوّة والولاية. وهذه النقطة على وجازتها تفتح السبيل إلى رؤية مستبصرة في طبيعة العلاقة بين الوحي والعقل، وترشد إلى مركّب يؤلّف بين الاثنين في السجال المحتدم داخل ثقافة الفكر الإسلامي منذ عصوره القديمة حتى الآن.
3 ـ النتائج والمعطيات
بعد الانتهاء من استعراض الأدلّة في مستوييها القرآني والروائي يكون من الطبيعي الانتقال إلى طبيعة النتائج المترتّبة على مبدأ الوحدة الحقّة الحقيقية. فهناك عدد من النتائج التي يمكن الإشارة إلى أهمّها ضمن التسلسل التالي:
ـــــــــــ
(1) من ذلك ما عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام حيث قال: «إنّ لله على الناس حجّتين، حجّة ظاهرة وحجّة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة عليهم السلام، وأمّا الباطنة فالعقول» الأصول من الكافي، مصدر سابق، ج1، ص16.
صفحة 73
النتيجة الأولـى: عدمُ تناهيه
يلازم الوحدة العددية المحدودية والمقهورية والفقدان، أمّا الوحدة الحقّة الحقيقية فيلازمها عدم المحدودية وعدم التناهي. وهذه من أهمّ صفات الله الثبوتية، التي تعني أن ليس لله حدّ ولا له نهاية.
وإذا ثبت عدم محدوديته وعدم تناهيه تعالى فهذا معناه أنّه ما من كمال مفروض إلاّ والواجب سبحانه واجد له.
وهذه الصيغة هي غير القول إنّ الله واجد لكلّ كمال موجود، إذ ربّما كانت الكمالات الموجودة متناهية، وإلاّ لو لم يكن الله واجداً لكلّ كمال وجوديّ فهذا معناه أنّه محدود، أي واجد لشيء وفاقد لشيء آخر.
في هذا الضوء تتضح القاعدة القرآنية العامّة، فما من كمال إلاّ وينسبه القرآن إلى الله، حيث لا يمكن أن يُفرض كمال إلاّ وهو موجود له سبحانه.
وهذا ما تدلّ عليه عامّة الآيات الناعتة لصفاته سبحانه الواقعة في سياق الحصر، مثل قوله: (اللهُ لا إلهَ إلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى) (1)، (هُوَ الحَيُّ لا إلهَ إلاَّ هُوَ) (2)، (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (3)، (أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً) (4)، (لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ) (5)، (إنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعاً) (6) و(أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلَى الله وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيدُ) (7). فما من صفة كمالية من العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والإرادة والعزّة والقوّة والغنى، وأيّ كمال آخر مفروض, إلاّ وهو
ـــــــــــ
(1) طه: 8.
(2) غافر: 65.
(3) الروم: 54.
(4) البقرة: 165.
(5) التغابن: 1.
(6) يونس: 65.
(7) فاطر: 15.
صفحة 74
موجود له سبحانه. وكلّما فرضنا شيئاً من الأشياء ذا شيء من الكمال بإزائه سبحانه ليكون ثانياً له وشريكاً, عاد ما بيده من معنى الكمال لله محضاً (1).
إنّ هذا الكمال ليس موجوداً لله بنحو التناهي، بل موجود له فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى بحسب التعبير الفلسفي. فلو فرضنا أنّ هناك موجوداً إمكانياً لا يتناهى، فالحقّ سبحانه فوق ذلك بما لا يتناهى لا أنّه فوقه بما يتناهى.
في ضوء هذا المبدأ نفهم مغزى القاعدة القرآنية فيما تتحدّث به عن الكمال. فأيّ كمال يتحدّث عنه القرآن ينسبه أوّلاً إلى الله سبحانه ثم ينسبه إلى غيره من الممكنات إمّا بالغير وإمّا بالإذن وإمّا بالظهور ونحو ذلك, بحسب المباني الفلسفية والعرفانية الموجودة في هذا المجال.
إنّ الشواهد لإثبات هذه الحقيقة كثيرة؛ منها قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «لم يلد فيكون مولوداً، ولم يولد فيصير محدوداً» (2) فلو كان مولوداً من شيء لكان محدوداً، إذ لابدّ أن ينتهي ذلك الشيء حتى يبدأ هو.
على المنوال ذاته نقول: ليس هو بوالد؛ إذ لو كان والداً لكان محدوداً أيضاً.
مما يدلّ على الحقيقة ذاتها قوله عليه السلام: «الأوّل الذي لا غاية له فينتهي، ولا آخر له فينقضي» (3) وقوله عليه السلام: «الذي ليس لصفته حدّ محدود» (4).
وهذه هي الصفات الذاتية التي ليست محدودة بحدّ ـ بعكس الصفات الفعلية التي لها حدّ كما سيأتي ـ لأنّها عين ذاته، والذات غير متناهية، فالصفة لا تكون متناهية أيضاً.
في خطب أخرى يشير الإمام إلى أنّ الله سبحانه هو الذي حدَّ الأشياء،
ـــــــــــ
(1) ينظر: الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق، ج6، ص69.
(2) نهج البلاغة، مصدر سابق، الخطبة رقم 186، ص273.
(3) نهج البلاغة، الخطبة رقم 94، ص139.
(4) نهج البلاغة، الخطبة رقم 1، ص39.
صفحة 75
حيث يصفه بقوله: «يا حادَّ كلّ محدود». فهو سبحانه الذي أعطاه الحدّ، ولم يكن ثَمَّ حدّ قبل هذا الإعطاء، وذلك من قبيل ما جرى عليه كلام أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: «كيّف الكيف فلا كيف له، وأيّن الأين فلا أين له»، لأنّ الكيف والأين مخلوقان له. فقبل خلقه الكيف لم يكن هناك كيف فيكون سبحانه مكيّفاً بكيف، كما لم يكن قبل خلقه الأين أين حتى يكون مؤيَّناً بأين.
هذا الكلام يجري على الزمان أيضاً، فالله سبحانه خلق الزمان, فلا زمان له، لأنّه قبل أن يخلق الزمان لم يكن زمان فيتصّف به الله. لهذا كلّه قال الإمام أمير المؤمنين في خطبة أخرى: «حدَّ الأشياء عند خلقه لها إبانةً له من شَبهها» (1). كما قال عليه السلام في خطبة أخرى: «فالحدّ لخلقه مضروب, وإلى غيره منسوب» (2) إلى غير ذلك من الشواهد.
بجملة واحدة يجمع الإمام أمير المؤمنين بين نفي العد ونفي الحدّ، بقوله عليه السلام: «لا يُشمَل بحدٍّ، ولا يُحسَب بعدٍّ» (3).
هذه هي النتيجة الأولى المترتّبة على مبدأ الوحدة الحقّة الحقيقية تمّت الإشارة إليها مع عدد من الشواهد الدالّة عليها.
النتيجة الثانية: إثبات أزليّته وأبديّته
بعد أن ثبت في النتيجة الأولى أنّ الله سبحانه ليس معدوداً بعدّ، وأنّ وجوده ليس وجوداً عددياً؛ ما يعني عدم تناهيه، فلا يمكن إذن أن نفترض له ابتداء وانتهاء، بحيث يبدأ من نقطة معيّنة وينتهي عند نقطة بعينها أيضاً.
إنّ بين أيدينا مفهومين في هذا المجال هما مفهوم «الأزلي» و«السرمدي».
ـــــــــــ
(1) نهج البلاغة، مصدر سابق، الخطبة رقم 163، ص232.
(2) نهج البلاغة، الخطبة رقم 163، ص232.
(3) نهج البلاغة، الخطبة رقم 186، ص273.
صفحة 76
الأوّل يشير إلى طرف الابتداء فيما يشير الثاني إلى طرف الانتهاء (1).
على ذلك إذا افترضنا أنّ للموجود بداية ونهاية، فهو ليس أزليّاً ولا سرمديّاً، لأنّه له من طرف البداية نقطة ابتداء لم يكن قبلها موجوداً، وله من طرف النهاية نقطة انتهاء لم يعد بعدها موجوداً.
بعبارة أخرى: إنّ هذا الموجود مسبوق في المقدَّم بحالة كان فيها معدوماً، ومن المؤخّر يلحق بحالة العدم، فالعدم يسبق وجوده ويليه. وهذه حالة عرفية من السهل ملاحظتها في الإنسان، فزيد مثلاً ولد في يوم معيّن لم يكن قبله موجوداً، وينتهي عمره في يوم محدّد لا يعود بعده موجوداً، وبذلك فوجوده يحدّ ـ في هذه الدنيا ـ بين الأجلين؛ بين الميلاد والوفاة. وهكذا بشأن بقيّة الموجودات الحادثة التي تفتقر إلى الأزلية قِدماً وإلى الأبدية مستقبلاً.
لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى الله سبحانه. فمهما توغّلنا من حيث الابتداء لا نصل إلى نقطة كانت ولم يكن الله فيها، كما لا نعثر من حيث الانتهاء على نقطة تكون ولا يكون الله فيها. والحديث عن الابتداء والانتهاء إنّما يكتسب معناه من خلال حركتنا وعلاقتنا بالزمان والمكان، حيث ننطلق من نقطة أو لحظة لنرجع إلى نقطة ولحظة وهكذا.
فإذا ثبت عدم محدودية الحقّ سبحانه, وفقاً لمبدأ الوحدة الحقّة الحقيقية فستثبت أزليّته وأبديّته. إلى هذا المعنى يشير الإمام عليه السلام في كلامه: «الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه، وبمحدَث خلقه على أزليّته» (2) فإذا كانت مخلوقاته حادثة فوجوده ليس بحادث، وإلاّ لو كان حادثاً أيضاً لاحتاج إلى خالق، فلم يكن خالقاً بل كان مخلوقاً، ولم يكن غنيّاً بل كان فقيراً. إذن، لما كانت مخلوقاته
ـــــــــــ
(1) ينظر في معنى الأزليّ والسرمديّ: المعجم الفلسفي، د. جميل صليبا، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، 1982 ج1، ص 29، 654.
(2) نهج البلاغة، مصدر سابق، الخطبة رقم 152، ص211.
صفحة 77
حادثة فهو ليس بحادث، إذ ليس كمثله شيء.
ومن هذا النصّ العلويّ (الدالّ على قدم الله تعالى بحدوث خلقه) نفهم حقيقة أنّ المراد بالأزلية هو القدم، لأنّه هناك جعل القدم في قبال الحدوث، وهنا جعل الأزلية في قبال الحدوث.
وإذ يتّضح أنّ المراد من الأزلية هو القدم، لكن ليس القدم الزمانيّ, لأنّ الزمان هو للأمور المادّية والجسمانية، والله سبحانه ليس بمادّة أو مادّي، وليس بجسم ولا جسمانيّ؛ لهذا يقول الإمام أمير المؤمنين: «سبق الأوقاتَ كونُه، والعَدَمَ وجودُه، والابتداءَ أزلُه» (1).
فلو نظرنا لأيّ موجود لرأينا أنّه كان مسبوقاً بعدم ثم صار موجوداً, حتى لو قلنا بقدم الفيض كما هو عليه مبنى العرفاء وكثير من الفلاسفة، بل مشهور الفلاسفة أنّ الفيض الإلهي قديم، كما يقول الحكيم السبزواريّ في وصفه في هذا البيت:
والفيض منه دائم متصّل والمستفيض داثر وزائل
لو قلنا بذلك أيضاً، فإنّ كلّ موجود حتى الصادر الأوّل مسبوق بعدم، ولكنه ليس ـ بالضرورة ـ عدماً زمانياً.
أمّا وجوده سبحانه فإنّه سابق على العدم، لا أنّ عدمه سابق على وجوده «سبق الأوقاتَ كونُه، و [سبق] العَدَمَ وجودُهُ، و[سبق] الابتداءَ أزلُهُ» فأزله سبحانه سابق على كلّ شيء.
وهذا ما يفسّر لنا طبيعة الكلام الذي دار بين أمير المؤمنين عليه السلام والحبر اليهوديّ، عندما جاء الحبر إلى الإمام وسأله: «يا أمير المؤمنين متى كان ربّك؟ فقال له: ثكلتك أمّك ومتى لم يكن حتى يقال متى كان؟! كان ربّي قبل
ـــــــــــ
(1) نهج البلاغة، الخطبة رقم 186، ص273.
صفحة 78
القبل بلا قبل، وبعد البعد بلا بعد، ولا غاية ولا منتهى لغايته، انقطعت الغايات عنده, فهو منتهى كلّ غاية. فقال: يا أمير المؤمنين أفنبيّ أنت؟! فقال: ويلك إنّما أنا عبد من عبيد محمّد صلّى الله عليه وآله» (1).
أجل، لا غرابة في أن تفيض هذه المعارف على لسان الإمام علي بن أبي طالب، فهي ممّا علّمه إيّاه رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو القائل مراراً: «علّمني رسول الله صلّى الله عليه وآله ألف باب من العلم ينفتح لي من كلّ باب ألف باب» (2).
من الأحاديث التي تحمل معنىً لطيفاً على أزلية الحقّ سبحانه ما أجاب به الإمام محمد الباقر نافع بن الأزرق عندما سأله: أخبرني عن الله متى كان؟ فردَّ عليه عليه السلام: «متى لم يكن حتّى أخبرك متى كان، سبحان مَن لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً» (3).
الأبدية بالغير
لكن هناك وصف لبعض الموجودات بالأبدية كما في الإنسان مثلاً حيث يقول الله سبحانه: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) (4)، وكذلك ما تشير إليه الأحاديث الشريفة من أنّ الناس خُلقوا للبقاء لا للفناء، فكيف يتمّ التوفيق بين الأمرين؟
الجواب: الأبدية بالذات هي لله سبحانه وحده لا شريك له, لكن هناك الأبدية بالغير كما هو إليه مآل الإنسان في الآخرة (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً).
ـــــــــــ
(1) الأصول من الكافي، مصدر سابق، ج1، ص89 ـ 90.
(2) ينظر في ضبط الحديث وأسانيده ومصادره: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار، السيد علي الحسيني الميلاني، قم 1414 هـ، ج 10 و 11.
(3) الأصول من الكافي، مصدر سابق، ج1، ص88.
(4) المائدة: 119.
صفحة 79
فما تتّفق عليه كلمة الأديان الإلهية أنّ الناس خُلقوا للبقاء لا للفناء، حيث جاء في هذا السياق قول الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله: «ما خُلقتم للفناء، بل خُلقتم للبقاء، وإنّما تُنقلون من دار إلى دار» (1) وهذا البقاء الذي يحظى به الإنسان يكون بإبقاء من الله سبحانه.
هكذا تفيد النتيجة الثانية المترتّبة على مبدأ الوحدة الحقّة الحقيقية أنّ الحقّ سبحانه أزليّ لا ابتداء له، وأبديّ لا غاية له فينقضي.
النتيجة الثالثة: هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن
تتمثّل النتيجة الثالثة بمبدأ (هو الأوّل والآخر، وهو الظاهر والباطن). فهناك تفسيرات متعدّدة شملت المسألة واختلفت بين الفلاسفة والمتكلّمين والعرفاء, وتبعاً لاختلاف التفاسير تعدّدت صيغ بيان المسألة أيضاً. لكن لما كان هدف هذا البحث إعطاء لمحة تصوّرية عامّة لما ينبغي أن تكون عليه العقيدة التوحيدية للإنسان المسلم، فسنعزف عن خوض لجّة تلك الآراء وما بينها من اختلافات، مكتفين بالإشارة إلى قراءتين للمسألة، هما:
القراءة الأولـى: التفسير على أساس الإضافة
إنّ المراد من الأولية والآخرية ـ حسب هذه القراءة ـ أنّهما صفتان إضافيتان بالنسبة إلى الإنسان نفسه. فالإنسان بدأ من الله (إنَّا لله) وسينتهي إليه من حيث الغاية والمآل (وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُون) (2). وإذ يكون الابتداء منه والأوبة إليه، فهو سبحانه الأوّل وهو الآخر، ولكن بالنسبة إلى الإنسان ونسبته إلى الله، وإلاّ فإنّ الله لا أوّل لأوّليته ولا آخر لآخريته.
ـــــــــــ
(1) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج6، ص249.
(2) البقرة: 156.
صفحة 80
يمكن تقريب هذا الضرب من التفسير عرفياً بحركة الإنسان، فإنّه يتحرّك من نقطة وينتهي إليها بنفسها، ومع ذلك يطلق على نقطة الانطلاق الأولى وصفَ الأولى، وعلى الثانية وصف الأخيرة مع أنّهما نقطة واحدة.
والمسألة تبدو أوضح في الدائرة، فحينما تريد أن ترسم دائرة فإنك تبدأ من نقطة ثم تنتهي إلى النقطة نفسها، والنقطة التي بدأت منها ثم انتهيت إليها هي واحدة، لكن تطلق على مبدأ الانطلاق وصف الأوّل، وعلى النهاية وصف الآخر. والأوّل والآخر يتعلّقان ـ هنا ـ بالإنسان ذاته لا بالنقطة، فبحسب حركة الإنسان صار هناك أوّل وآخر، وإلاّ ليس في النقطة أوّل ولا آخر.
هكذا الحال بالنسبة إلى الله، إذ لا أوّل له ولا آخر، إنّما يرتبط الأمر بحركة الإنسان نفسه الذي يبتدئ من الله وينتهي إليه (إنَّا للهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ) (1) فهو سبحانه الغاية. لذلك اشتهر عن العرفاء قولهم: إنّ الغايات هي الانتهاء إلى البدايات. فالأوّل أوّل نسبة إلى حركة الإنسان ومسيرته، والآخِر صار آخِر بالنسبة إليه أيضاً، فالإنسان هو الذي يتحرّك بين مداري البداية والنهاية، في حركة غايته منها الرجوع إلى الله، كما في قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (2) وقوله سبحانه: (إنَّ إلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) (3) وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إنَّكَ كَادِحٌ إلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (4).
وهكذا تفهم الأولية والآخرية كصفتين إضافيتين بالنسبة إلى الإنسان نفسه، أمّا لو كان في الله أوّل وآخِر لصار محدوداً، لأنّ أوّله غير آخره وآخره
ـــــــــــ
(1) البقرة: 156.
(2) المؤمنون: 115.
(3) العلق: 8.
(4) الانشقاق: 6.
ــــــــــــــــــــــــــ
غير أوّله؛ لذلك ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «كلّ أوّل غيره فهو ليس بآخر، وكلّ آخر غيره ليس بأوّل» لأنّ الشيء إذا صار أوّل لا يمكن أن يكون آخر، وإذا صار آخر فليس بأوّل، إلاّ الله سبحانه وفي ضوء مبدأ الوحدة الحقّة الحقيقية.
وإذ نفهم الأولية والآخرية هنا بالنسبة إلى الإنسان في حركته، فيمكن تقريب ذلك بالموت أيضاً. فقد ذكر الفلاسفة في أحد تعاريفهم للموت أنّه الانقطاع إلى الله. فالإنسان مشغول في هذه النشأة بالأمور المادّية والدنيوية، بيدَ أنّه ينقطع عنها بالموت ويتّجه إلى الله سبحانه، أي يعود إليه لأنّه غايته، فيكون في مساره الوجودي قد بدأ منه وانتهى إليه، فهو الأوّل وهو الآخر.
هذه القراءة قدّمها أبو حامد الغزالي في كتابه «المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى» الذي يُعدّ من الكتب القيّمة في هذا المجال. يذكر الغزالي في هذا الكتاب أنّ الأوّل يكون أوّل بالإضافة إلى شيء، والآخر يكون آخر بالإضافة إلى شيء، وهما ضدّان لا يجتمعان، إذا كان أوّل فليس بآخر، وإذا كان آخر فليس بأوّل، فلا يُتصوّر أن يكون الشيء الواحد ـ من وجه واحد بالإضافة إلى شيء واحد ـ أوّل وآخر جميعاً، لأنّهما صفتان متضادتان. بل إذا نظرت إلى ترتيب الوجود ولاحظت سلسلة الموجودات المترتّبة، فالله تعالى بالإضافة إليها أوّل، إذ الموجودات كلّها استفادت الوجود منه، وأمّا هو فموجود بذاته وما استفاد الوجود من غيره، ومهما نظرت إلى ترتيب السلوك ولاحظت مراتب منازل السائرين إليه فهو آخر؛ بحسب سلسلة الصعود.
فبحسب قوس النزول هو الأوّل، وبحسب قوس الصعود إليه (إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (1) هو آخر ما ترتقي إليه
ـــــــــــ
(1) فاطر: 10.
صفحة 82
درجات العارفين، وكلّ معرفة تحصل قبل معرفته فهي مرقاة إلى معرفته، والمنزل الأقصى هو معرفة الله، فهو آخر بالإضافة إلى السلوك، أوّل بالإضافة إلى الوجود، فمنه المبدأ أوّلاً وإليه المرجع والمصير آخراً (1).
أمّا ما يرتبط بالظهور والبطون فقد ذكر الغزالي أيضاً أنّ المراد من قوله سبحانه: (هُوَ الْأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) (2) أنّ بطونه كان لشدّة ظهوره، وأنّ منشأ هذا البطون جاء من شدّة الظهور (3).
وممّا يؤيّد ما ذهب إليه الغزالي ما جاء في القرآن الكريم نفسه، في قوله سبحانه: (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) (4)، حيث يعرّف النور الحسّي بأنّه ظاهر بنفسه مظهر لغيره، وكذلك النور الإلهي ظاهر بذاته مظهر لغيره.
وفي «نهج البلاغة»: «وكلّ ظاهر غيره غير باطن، وكلّ باطن غيره غير ظاهر» (5)؛ لذلك أيضاً جاء عن الإمام سيّد الشهداء الحسين عليه السلام دعاؤه في يوم عرفة: «متى غبتَ حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميتْ عين لا تراك عليها رقيباً» (6).
وفي قوله سبحانه: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لـَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (7)، إذ ذهبوا إلى أنّ
ـــــــــــ
(1) المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، سلسلة بحوث ودراسات، العدد الثالث، دار المشرق، لبنان، ص146, (بتصرّف).
(2) الحديد: 3.
(3) المقصد الأسنى، ص147.
(4) النور: 35.
(5) نهج البلاغة، مصدر سابق، الخطبة رقم96، ص37.
(6) مفاتيح الجنان، ص272.
(7) فصّلت: 53.
صفحة 83
المراد من «شهيد» هو المشهود؛ يعني أنّه مشهود على كلّ شيء.
وصدق الإمام أمير المؤمنين إذ قال: «ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله قبله» (1)!
يشير الحكيم السبزواري إلى المعنى ذاته في منظومته المعروفة، حيث يقول: يا من اختفى لفرط نوره الظاهر الباطن في ظهوره (2)
فهو باطن في ظهوره لشدّة ما هو فيه من الظهور، حتى ليمكن تقريب ذلك بالمثل العرفي الذي يفيد بأنَّ الشيء إذا ظهر فوق حدّه انقلب إلى ضدّه. وعندئذ فإنّ ذلك الظهور يكون بدرجة بحيث لا يراه الإنسان فيصير باطناً.
هذه هي القراءة الأولى أو التفسير الأوّل الذي ورد ذكره في نصوص أبي حامد الغزالي.
القراءة الثانية: التفسير على أساس الإحاطة
ثَمَّ تفسير آخر يرجع الأولية والآخرية والظاهرية والباطنية إلى الإحاطة. ذلك أنّ كلّ ما فُرض أوّل فالله سبحانه قبله، وكلّ ما فرض آخر فهو سبحانه بعده، وكلّ ما فرض ظاهراً فهو أظهر منه، وكلّ ما فرض باطناً فهو أبطن. وسبب ذلك يرجع إلى الإحاطة، فالله بكلّ شيء محيط. فيكون المراد من قوله سبحانه: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) أنّه محيط بكلّ شيء.
ممّن يذهب إلى هذا التفسير أو القراءة السيّد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره «الميزان»، حيث يقول: «وليست أوّليته تعالى ولا آخريته، ولا ظهوره ولا بطونه زمانية ولا مكانية، بمعنى مظروفيته لهما, وإلاّ لم يتقدّمهما ولا تنزّه عنهما سبحانه، بل هو محيط بالأشياء على أيّ نحو فرضت وكيفما تصوّرت.
ـــــــــــ
(1) شرح المنظومة، قسم الحكمة: السبزواري: 1 / 2: ص 263. علّق عليه: آية الله حسن زاده الآملي.
(2) شرح المنظومة، السبزواري، ص 5، الطبعة الحجرية.
صفحة 84
فبان ممّا تقدّم أنّ هذه الأسماء الأربعة: الأوّل والآخر والظاهر والباطن من فروع اسمه المحيط، وهو فرع إطلاق القدرة، فقدرته محيطة بكلّ شيء. ويمكن تفريع الأسماء الأربعة على إحاطة وجوده بكلّ شيء ...، وكذا للأسماء الأربعة نوع تفرّع على علمه تعالى، ويناسبه تذييل الآية بقوله (وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)» (1).
من الواضح أنّ هذه الأسماء فيما يتصف به الله سبحانه من أنّه هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن، هي فرع عدم المحدودية، مؤسسة على مبدأ الأحدية، لأنّ المحدود إذا صار ظاهراً فلا يكون باطناً، وإذا صار باطناً فلا يكون ظاهراً «وكلّ ظاهر غيره غير باطن، وكلّ باطن غيره غير ظاهر» (2) كما يقول أمير المؤمنين؛ لأنّ الظاهر ينتهي إلى حدٍّ فيبدأ الباطن، والأوّل ينتهي إلى حدٍّ فيبدأ الآخر.
أمّا غير المتناهي فإنّ أوليته وآخريته وظاهريته وباطنيته تكون مجموعة فيه. ولذلك جاء في الحديث الشريف عن عمر بن علي، عن الإمام علي عليه السلام ما يفيد صلة هذه الأسماء بمبدأ الوحدة الحقّة؛ قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: التوحيد ظاهره في باطنه، وباطنه في ظاهره، ظاهره موصوف لا يرى، وباطنه موجود لا يخفى، يُطلب بكلّ مكان، ولم يخلُ عنه مكان طرفة عين، حاضر غير محدود، وغائب غير مفقود» (3).
أمّا السيّد الطباطبائي فيعلّق على الحديث من زاوية صلته بالوحدة الحقّة الحقيقية ودلالته عليها، فيقول: «كلامه صلى الله عليه وآله مسوق لبيان وحدته
ـــــــــــ
(1) الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج19، ص145.
(2) نهج البلاغة، مصدر سابق، الخطبة96، ص37.
(3) معاني الأخبار، نقلاً من الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج6، ص103.
صفحة 85
تعالى غير العددية, المبنيّة على كونه تعالى غير محدود بحدّ، فإنّ عدم المحدودية هو الموجب لعدم انعزال ظاهر توحيده وتوصيفه تعالى عن باطنه، وباطنه عن ظاهره، فإنّ الظاهر والباطن إنّما يتفاوتان وينعزل كلّ منهما عن الآخر بالحدّ، فإذا ارتفع الحدّ اختلطا واتّحدا» (1) أي صارا شيئاً واحداً.
ثمّ تفسيرات وقراءات أخرى لا مجال للاستفاضة بها في هذا البحث الموجز.
النتيجة الرابعة: نفي التثليث
هناك ثمرة أخرى تترتّب على هذا البحث تتمثّل بنفي التثليث الذي تذهب إليه النصرانية وإبطاله.
بديهيّ أنّ التثليث لم يكن من عقيدة السيّد المسيح عليه السلام إنّما استحدث من بعده كما تثبت البحوث التحليلية لتأريخ الأديان. على أنّ التثليث نفسه فيما ذهبت إليه المسيحية من إيمان بالأصول (الأقانيم) الثلاثة الأب والابن وروح القدس، كان وما يزال عرضة لتفاسير متعدّدة.
من التفاسير المعروفة القراءة التي تذهب إلى أنّ لكلّ أصل من هذه الأصول (الأقانيم) الثلاثة وجوداً مستقلاًّ عن الآخر، بحيث يظهر كلّ واحد منها في تشخّص ووجود خاصّ به، ويكون لكلّ واحد منها أصل مستقلّ وشخصية ولكن في رتبة واحدة. فهم ثلاثة في عين أنّهم واحد، وواحد في عين أنّهم ثلاثة.
بغضّ النظر عمّا إذا كان هذا الأمر معقولاً في نفسه أم لا، فهو يتلازم مع الوحدة العددية. فإذا ثبت أنّ الله سبحانه هو الأب والابن وروح القدس، وأنّ هؤلاء ثلاثة آلهة في عرض واحد وفي رتبة واحدة، فمعنى ذلك أنّ وحدة
ـــــــــــ
(1) الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج6، ص103.
صفحة 86
الله لابد أن تكون وحدة عددية، بينما برهن القرآن الكريم والأدلّة الروائية القطعية على أنّ وحدته سبحانه وحدة غير عددية، فيبطل التثليث وفق هذه القراءة.
هذه هي مجموعة من الثمرات والنتائج العقدية المترتّبة على مبدأ الوحدة الحقّة الحقيقية أو على التوحيد الأحديّ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (1).
الخلاصة
1 ـ في الحقيقة يرجع إثبات التوحيد الواحدي إلى نفي الوحدة العددية وإثبات الوحدة القهّارة أو الوحدة الحقّة الحقيقية. فمن بين أبرز ما يترتب على هذه الوحدة إثبات التوحيد الواحدي، ومن ثمَّ نفي الثاني والشبيه والنظير بل استحالتها جميعاً، بعكس ما لو كانت وحدته سبحانه وحدة عددية، فعندئذ سيقبل الثاني كما يقبل الشبيه والنظير.
2 ـ تلتقي السنّة الشريفة مع القرآن الكريم في إثبات التوحيد الواحدي على نسق برهانيّ منظّم سبق الفكر الفلسفي والكلامي كثيراً، بل لم يستطع الفكر الفلسفي أن يتقدّم في هذا المضمار إلاّ باعتماده على ما حقّقه النصّ.
3 ـ تترتّب على التوحيد الواحدي العديد من النتائج أهمّها عدم تناهي الحقّ سبحانه، وإثبات ازليته وأبديته، وإثبات كونه هو الأوّل والآخر وهو الظاهر والباطن بحيث تكون هذه الصفات مجموعة فيه سبحانه في إطار عدم تناهيه؛ وأخيراً نفي التثليث.
ـــــــــــ
(1) الإخلاص: 1 ـ 4.